کد مطلب:163905 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:210

الامام الحسین ثورة ضد العسکر
وهناك درس آخر تجب الاشارة الیه فی سیاق الحدیث عن الثورة الحسینیة، فنحن عندما نقول بأن الامام الحسین (ع) تحول الی ثورة فاننا نعنی انه (ع) ثار ضد حالة الانهیار ومسیرة التراجع التی بدأت تدب فی الامة الاسلامیة بشكل سریع خاصة فی عصره (ع).

وقبل الخوض فی هذا الحدیث لابد الحدیث عن الفتوحات الاسلامیة التی أذهل المراقبین عبر التاریخ، لانها كانت حركة سریعة ومفاجئة وسهلة، والمسلمون حینما عبروا السهول والهضاب والجبال والبحار من كل جهة وفی كل الابعاد. انسیاب الماء النازل من الجبل، بدءاً بفتح الیرموك والحیرة فی جانبی الجزیرة وانتهاءاً بسقوط الامبراطوریة الفارسیة، وكذلك اقتطاع أجزاء كبیرة من الامبراطوریة البیزنطیة فی آسیا وافریقیا، أما فی زمن الامام الحسین (ع) فكانت الفتوحات الاسلامیة تتجه الی هند.

من الطبیعی ان الذی یقوم بهذه الفتوحات هو الجیش فان القوة المسلحة، والقوة الغازیة، والقوة الفاتحة هی التی تكتب أكثر الانتصارات للامة التی مازالت تحمل فی قلبها ذكریات ایام الجوع والعطش داخل الجزیرة العربیة، بید ان هذه القوی لابد أن تغتر بنفسها وتفتش عن دور لها فی ادارة البلاد وسیاسته، مع العلم بأن القوة العسكریة اذا دخلت البلاد أفسدتها لانها ترید أن تحكم فیها بمنطق حكمها (أی منطق السیف والحرب والمعارك الدامیة) وهكذا جرت الامور فی الامة الاسلامیة، وكل حضارة فی العالم تمر بهذا الدور، أو هذا المنعطف الحساس، فالحضارة لابد أن تدعم القوات المسلحة باعتبارها الدرع الواقی ضد الاعداء، ولكن ما أن تدعم هذه القوات حتی تتعرض لخطر داهم علیها.

ان هذه المعضلة الحضارة كانت موجودة عند كل الحضارات فاذا كانت فی الامة بقیة ارادة تتجلی فی نهضة.. تتجلی فی سلطة قویة أو فی جماهیر أقویاء، اذا كان ذلك موجوداً (النهضة والقیادة والجماهیر الاقویاء) فان القوة العسكریة الموجودة علی الحدود لا تستطیع أن تنكفأ الی الداخل وتحطم ما حققته فی الخارج، وإلا فان هذه القوة التی اكتسبت الانتصارات لهذه الامة هی التی ستهدم كل ما بنته بیدها، والله سبحانه وتعالی یوضح لنا جانباً منها فی قصة عاد قال تعالی:

«وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون - واذا بطشتم بطشتم جبارین - فاتقوا الله وأطیعون - واتقوا الذی أمدّكم بما تعلمون - أمدّكم بأنعام وبنین - وجنات وعیون - انی أخاف علیكم عذاب یوم عظیم» (129/135/الشعراء).

ان هوداً-علیه السلام-أراد أن ینبههم قائلاً: ان هذه القوة التی تملكونها من الله تعالی وان استخدامكم لهذه القوة فی طریق البطش والارهاب والاحساس بالخلود سوف یضركم، وسوف یأخذكم الله بعذاب عظیم بسببها.

ان ثورة الامام الحسین (ع) لم تكن بعیدة كل البعد عن هذا المضمون، فلم یرد الامام الحسین (ع) أن یخضع للارهاب أو لسلطة القوة، ولم یرد أن یأتی العسكر الذین فتحوا أطراف البلاد للحكم.

وبدراسة التاریخ نجد ان النظام الاسلامی (مع قطع النظر عمن كان یسود النظام) أی المؤسسة السیاسیة فی الدولة الاسلامیة كانت منتبهة لهذا الخطر فكان كل قائد عسكری یحرز الانتصار یعزل لكی لا یفتتن الناس به، وها نحن أمام ظاهرة جدید من هذا النوع.

ان یزید لكی یعمل علی تركیز سلطته اعتمد علی القادة العسكریین الذی فتحوا البلاد، فوزع علیهم الاراضی، وأمّا عمر بن سعد فمناه بملك الری ان انتصر علی الامام الحسین (ع)

كما ان معاویة بن أبی سفیان بعث الی مصر عمر بن العاص الذی كان یوماً ما قائداً فاتحاً لمصر، أی حكم القیادة العسكریة ضد إرادة الجماهیر، هكذا كان یزید امتداداً لمعاویة، وابن زیاد كان امتداداً لزیاد بن أبیه وكان عمر بن سعد امتداداً لسعد بن أبی وقاص الذی كان أحد القادة الذین فتحوا العراق، وعمر بن سعد ابنه، وهو حاكم باسم أبیه.

وهناك نتیجة وهی ان الاستقراطیة الاجتماعیة فی النظام الاموی كانت تورث الرتب العسكریة، فمن كان أبوه قائداً فانه یرثه من بعده، وهذا أغرب نوع من الارث، لان هذا ابن القائد الفلانی فینبغی أن یصبح هذا قائداً، وها هو عمر بن سعد ورث أباه قیادة الجیش المعد للغزو والفتح وها هو ابن زیاد یهدد أهل الكوفة بجیش الشام، وقد قام قبل شهر واحد من واقعة كربلاء بالضبط بانقلاب عسكری فی الكوفة التی هدّدها بحامیات من الجیش الشامی حیث كان یخوفهم به للقضاء علی إرادة الجماهیر وهذا انقلاب عسكری بكل معانیه، وهذا الانقلاب حوّل القوة العسكریة التی بنیت لفتح البلاد الاخری الی قوة لقهر إرادة الجماهیر، والامام الحسین (ع) قاوم هذا التحول من أجل مصلحة الامة الاسلامیة ومصلحة تاریخها ونجح فی ذلك وأعاد القیادات العسكریة الی ثكناتها، وهذا وجه من العلاقة بین قیام الامام الحسین (ع) وبین قیام الانبیاء (ع) كهود وصالح الذین قاوموا الجبارین، ومن الغریب أن أصحاب الامام الحسین (ع) یعلمون ان عظمة حركتهم وانها امتداد لحركة الأنبیاء (ع) وان البطش وغرور القوة والعسكرتاریة یجب ان تحطم فی كربلاء والدلیل علی معرفتهم بذلك هی بعض أقوال الامام الحسین-علیه الصلاة والسلام-وأصحابه. جاء حنظلة بن سعد الشامی فوقف بین یدی الامام الحسین(ع) یقیه السهام والرماح والسیوف ویتلقاها بوجهه ونحره، وأخذ ینادی یاقوم انی أخاف علیكم مثل یوم الأحزاب.. ویا قوم انی أخاف علیكم یوم التناد یوم تولون مدبرین مالكم من الله من عاصم.. یا قوم انی أخاف مثل یوم الاحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذین من بعدهم وما الله یرید ظلماً للعباد یا قوم لا تقتلوا حسیناً فسیحكم الله بعذاب وقد خاب من افتری.

هكذا ینصحهم ویذكرهم بمصیر الاقوام السابقة الذین كانوا فی ذات الخط.. وهكذا نجد مثل هذه الكلمة تتكرر عند الآخرین من أصحاب الامام الحسین (ع) فمثلاً جاء سعید بن عبد الله الحنفی وتقدم أمام الحسین (ع) فصار هدفاً لنبالهم حتی سقط علی الارض وهو یقول (اللهم العنهم لعن عاد وثمود.. اللهم أبلغ نبیك (ص) عنی السلام وأبلغه ما لقیته من الجراح فانی أردت بذلك نصرة ذریة نبیك) ثم استشهد (رضوان الله علیه) فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوی ما به من ضرب السیوف وطعن الرماح، فهم یعرفون لماذا یعملون.

هناك شیء أخیر نذكره فی ختام هذا الموضوع من الدروس فی الثورة الحسینیة، ان أصحاب الامام الحسین (ع) كانوا یعرفون انهم یحبون الجنة ویبتغون دخولها، ولكننا فی أی عمل نقوم به لابد أن ننوی أن یكون العمل لله حتی یعطینا الله سبحانه وتعالی الاجر ویزكینا، وعلینا أن نسعی لكی لا یدخلنا أدنی شك أو ریب فی أن هذا العمل لله، ففی الصلاة مثلاً نقول (نویت أن أصلی صلاة الصبح قربة الی الله تعالی) وكذلك فی الصوم وغیره من الاعمال فالعمل فی سبیل الله أن تسبقه النیة مثل سائر الاعمال وهذه النیة ذات فائدة كبیرة حتی یصبح العمل خالصاً لله تعالی، إذن یجب فی العمل لله سبحانه أن نؤكد لانفسنا ونوحی لها باستمرار بأهمیة العمل وان نیته لله تعالی بعیداً عن الذات، فاذا العمل یجب أن یؤدی وبنیة خالصة لله ولایجب أن نغضب عندما یقولون لنا بأننا لم نفعل ذلك الواجب، لان الله سبحانه قد كتبه لنا أجراً وثواباً.

ان من أهم الصفات التی یبینها الامام الصادق-علیه السلام-فی دعائه لعمه العباس (ع) فی كربلاء انه كان علی بصیرة من أمره، فوضوح العمل الذی یقوم به یعطی عملنا قوة وصلابة واستقامة، فنظرة الی أصحاب الحسین (ع) تعرفنا ما لدیهم من أفكار یقول هلال بن نافع منشداً:



أنا الغلام البجلی الیمنی

دینی علی دین حسین وعلی



ان أقتل الیوم فهذا أملی

فـذاك رأی وألاقی عـملی



انه كان یعمل طول حیاته فی سبیل الله لیقدم لنفسه فی حیاته الاخری المثوبات وكان یقول فی معنی شعر «إنما اقتش عن ذلك الجزاء الذی قدمت له عملاً فی هذه الدنیا وهو قتلی هذا الیوم فهذا أملی وهو رأی وألاقی غداً عملی».

وهذا رجل آخر من أصحاب الامام الحسین (ع) ویبدوا انه كان من أصحاب البصائر وهو (شوذب) وهو مولی لأبی شاكر، یأتی هذا الرجل الامام الحسین(ع) فیقول له: «یا أبا عبد الله أما والله ما من أحد علی وجه الأرض قریب أو بعید أعز علیّ، وأحب الیّ منك، ولو قدرت علی أن أدفع عنك قتل أو الضیم بشیء أعز علی من نفسی ودمی لفعلت» ثم قال: «السلام علیك یا أبا عبد الله أشهد انی علی هداك وعلی هدی أبیك» ثم مضی بالسیف نحو القوم وقاتل حتی قتل، وكان بعض أصحاب الامام الحسین (ع) فی أرجوزاتهم لا ینتسب الی نفسه بل الی امامه، وكان البعض یؤكد علی انه یبحث عن الجنة فسعد بن حنظلة التمیمی ینزل ساحة الصراع وهو ینشد هذه الابیات قائلاً:



صبراً علی الأسیاف والأسنة

صبراً علیها حتی دخول الجنة



وحـور عین ناعـمات هن

لمـن یرید الفوز لا بالظنة



یا نفس للراحـة فـاجهدن

وفی جـلاب الخیر فارغبن



انه كان یعلم جیداً ان دخول الجنة لیس بالامانی إنما یجب أن یصبر علی السیوف والاسنة لیدخل الجنة، ومن ضمن أرجوزاتهم یخاطب نفسه: ارغبی فی الراحة ولكن الراحة لا تأتی إلا بالتعب، وأرغبی فی طلب الخیر فان الجنة خیر والجزاء خیر.

وهناك قصة معروفة «جری مزاح بین مسلم بن عوسجة وحبیب بن مظاهر -رضوان الله علیهما- فقال حبیب: یا مسلم الآن لیس وقتها، نحن فی حالة حرب والأعداء یحیطون بنا من كل مكان، فقال له مسلم أتعلم اننی لم أكن أحب الهزل فی شبابی ولا فی كهولتی وأنا شیخ كبیر، ولكن اذا أردت الحقیقة، الیوم وقت المزاح الیوم وقت الهزل ان كان هذا هزلاً، فیقول حبیب: كیف ذلك؟!! فیقول له: لایوجد بیننا وبین الجنة وعناق الحور العین إلا ساعات نقترب منهم ونعالجهم ویعالجونی بالسیوف فنستشهد فی سبیل الله، ونذهب الی مقرنا الابدی عند الله سبحانه وتعالی.

وما أعظمها من دروس كتبها أصحاب الامام الحسین (ع) بدمائهم وعظماء أولئك الذین یستوحون الدروس من مدرسة كربلاء ومن أصحابها. حیث كانت مزدحمة بالتلامیذ عبر التاریخ من كل حدب وصوب، ومن كل فئة، ومن كل لون من ألوان الناس ولكن یجب علینا أن نسجل أنفسنا منذ هذه اللحظة، أو نجدد تسجیلنا فی هذه المدرسة، ونسعی من أجل أن نصبح الافراد الممتازین فی هذه المدرسة، وذلك أملنا من الله الذی نبتهل الیه سبحانه من أجل تحقیقه.